بيروت، لبنان- عادت مدينة حلب المقسمة في سوريا إلى نوع من الحرب الشاملة لم تشهدها منذ أشهر يوم الخميس، كما قال شهود عيان وعمال إغاثة، وذلك مع تعرض مستشفى لضربات جوية من القوات الحكومية في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون وسقوط قذائف هاون يطلقها المتمردون على المناطق الحكومية.
ما لا يقل عن 17 شخصا من بينهم 3 أطفال و6 أطباء وعاملين في المجال الصحي، قتلوا في الهجوم الذي شن على المستشفى، الذي تحول إلى كومة من الرماد يوم الأربعاء مساء، كما وردت تقارير عن مقتل 20 شخصا في هجوم آخر يوم الخميس. ما لا يقل عن 14 شخصا قتلوا في هجمات بقذائف الهاون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وفقا لمسئولين في المستشفى الذي وصلت إليه الإصابات خلال يوم الخميس.
التدمير الهائل في حلب جاء في الوقت الذي شهدت فيه المدينة تصعيدا في القتال خلال الأسبوع الماضي كسر الهدنة الجزئية في الحرب المستمرة في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات.
كما هدد هذا التصعيد بإفشال المحاولات المستمرة لاستئناف محادثات السلام في جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، وربما تعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة في البلاد، وهو ما سوف يؤثر على ملايين الأشخاص، وفقا لمسئولين في مجال الإغاثة.
قال جان إيغلاند، المستشار الخاص في الأمم المتحدة في الشأن السوري يوم الخميس في جنيف مع وضوح الدمار في حلب بصورة كبيرة:” ربما لا أستطيع بأي طريقة التعبير عن الخطر القادم على المدينة خلال الساعات والأيام القادمة”.
كانت حلب مركزا تجاريا في السابق، ولكنها تحولت الآن إلى منطقة قتال، كما أنها انقسمت إلى نصفين بين للمتمردين وللحكومة. تمتعت حلب في الفترة الماضية بنوع من الهدوء بسبب اتفاق وقف إطلاق النار الجزئي – ساري المفعول حتى الآن.
أصوات الطائرات النفاثة ودوي القصف يمكن أن يسمع في كل مكان منذ يوم الأربعاء مساء وحتى يوم الخميس، وفقا لعمال إغاثة وسكان في المدينة. حالة الذعر والقلق كانت واضحة في كلا طرفي المدينة.
لم يكن هناك أي مؤشر بأن قوات الحكومة السورية التابعة لبشار الأسد وحلفائهم الروس كانوا يقتربون من استعادة المدينة كاملة. ولكن أصبح واضحا في الأيام الأخيرة بأن الهدنة أصبحت هشة في المناطق المحيطة، وذلك مع زيادة الضربات الجوية التي تشنها الحكومة وزيادة القصف الذي يمارسه المتمردون.
حوالي 200 شخص، معظمهم من المدنيين، قتلوا، وفقا لإحصاء صادر عن شبكات أخبار محلية وناشطين في كلا الطرفين.
موقع مستشفى القدس، الذي دمر في جانب سيطرة المتمردين من المدينة، كان معروفا للكل، كما أن المستشفى يحظى بدعم من منظمة أطباء بلاد حدود. قالت مسكيلدازنكادا وهي رئيسة البعثة الخيرية في سوريا في بيان صدر عنها:” هذا الهجوم القوي دمر مستشفى حيويا في حلب، والمركز الرئيس العلاج لأطفال في المدينة. أين هو الغضب بين أولئك الذين يملكون السلطة اللازمة لوقف هذه المذبحة؟”.
الجيش الروسي بدوره نفى أن يكون مسؤولا عما حدث.
تعرض مستشفيان في مدينة معرة النعمان إلى الشرق، أحدهما يعمل مع أطباء بلا حدود، للقصف في نفس اليوم بداية هذا العام، كل منهما تعرض لضربات متكررة. جماعات مثل أطباء من أجل حقوق الإنسان تعقبوا ما قالوا أنه نمط متعمد من استهداف الخدمات الطبية من قبل القوات الحكومية.
ادعى شهود بأن نفس الأمر ظهر أنه صحيح في الضربة التي تعرض لها مستشفى القدس في حي السكري.
يقول عدنان حداد، وهو صحفي معارض، بعد العودة من مسرح الحدث :” لقد كانت ضربات متعددة بينها أقل من دقيقتين استهدفت نفس المنطقة”.
دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر جميع الأطراف المتحاربة إلى وقف الهجمات العشوائية وتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين، أو أن حلب سوف تواجه ما أطلقت عليه كارثة إنسانية جديدة.
يقول فالتر غروس، الذي يرأس الصليب الأحمر في حلب:” أينما ما تكون، تسمع انفجارات قذائف الهاون وقصف الطائرات. الكل هنا يخشى على حياته ولا يعرف أحد ما هو القادم”.
بعد ظهر الخميس، أوردت وسائل إعلام تابعة لكلا الطرفين عن الضربات الجوية الحكومية على أحياء بستان القصر والكلاسة وهي مناطق تخضع لسيطرة المتمردين.
أظهرت مقاطع فيديو بنايات سكنية واجهاتها مدمرة في بستان القصر، حيث قتل ثلاثة أطفال؛ وظهر رجل يحمل طفلا الجزء العلوي من رأسه مفقود وإلى جانبه رجل آخر يحمل طفلة تبلغ ال 12 من العمر وجدها على قيد الحياة. أظهرت مقاطع فيديو من الجانب الحكومي من المدينة مظاهر من شارع فيه بنايات مدمرة وصبي يقبع دون حراك يجلس في سيارة إسعاف.
بحلول الليل، لم يكن هناك أي مؤشر على توقف الهجمات. السيد حداد في الجانب الذي يسيطر عليه المتمردون في حلب، قال بأن أحد الهجمات استهدف مخبزا، وكان ممكنا سماع القصف وإطلاق النار في الجانب الحكومي من المدينة.
في مناطق الحكومة، تم إسعاف الإصابات التي تسبب بها قصف المتمردين إلى مستشفى الرازي وكان صوت سيارات الإسعاف مختلطا بأصوات الانفجارات في شوارع المدينة. معظم المصابين كانوا مدنيين، من بينهم ثلاثة أطفال على الأقل قتلوا، ولكن بعض المصابين كانوا من العسكريين.
ظهر جندي ممد على الأرض وهو يركل ويصرخ وقائده يحاول مواساته. كما كان من الممكن رؤية رجل وهو يمشي في الممر يساعد ابنه الذي يعرج. حيث صرخ قائلا في وجه الصحفي:” سوف نقتلهم اليوم”.
قال حسان أنيس، المدير التنفيذي للمستشفى بأن العنف زاد بصورة كبيرة خلال هذا الأسبوع.
وقال السيد أنيس أنه يبدو أن المتمردين بدأوا باستخدام ذخائر أكثر قوة منذ أن تعثر وقف إطلاق النار في المدينة خلال الأسبوع الماضي. وأضاف:” أولا كان هناك الهاون، ومن ثم جاءت قنابل الغاز والآن الصواريخ”.
وبينما كان يتحدث كان من الممكن سماع دوي الرصاص خارج نافذة مكتبه، وهو تذكير بان أقرب خط مواجهة لا يبعد أكثر من نصف كيلو متر من المستشفى.
على الجانب الذي يسيطر عليه المتمردون، دمر جزء كبير من مستشفى القدس، وفي مقاطع فيديو وصور ظهرت بعد الهجوم، كان من الممكن رؤية الجثث عالقة تحت الركام وما يشبه الإطارات المعدنية للأسرة.
رجل يمشي بسرعة وهو يحمل جسدا مشوها لطفلة صغيرة ترتدي ثيابا زهرية اللون، لون جلدها رمادي بسبب الاسمنت المسحوق. طفلة أخرى ترتدي ثيابازهرية اللون أيضا، كانت عيناها ممتلئتان بالدموع، وهي تتشبث بكتف رجل، والرجل يصرخ ويقول:” إنها أسرتي! لقد فقدت أسرتي كلها”.
قصف المستشفى بينما كان يعج بضحايا القصف الحكومي، وبينما كان هادي العبدالله وهو صحفي معارض يبث مقطع فيديو من مسرح الحدث، قال طبيب إن هناك ثلاثة من رفقائه قتلوا.
أحدهم الدكتور محمد وسيم معاذ المعروف باسم أبو عبد الرحمن، وهو طبيب الأطفال الوحيد في المنطقة. وطبيب الأسنان أحمد أبو اليمان، الذي قتل هو الآخر.
قال لؤي بركات وهو صحفي ومصور عبر الهاتف بعد أن زار الموقع :” إنني أبكي. طبيب الأطفال قتل. حوالي 11 ممرضة وعامل في المستشفى قتلوا أيضا. معظمهم أصدقائي”.
كان المستشفى يمثل المركز الرئيس لطب الأطفال، مع وجود 8 أطباء و28 ممرضة وغرفة طوارئ ووحدة عناية مكثفة وغرفة عمليات، وكلها دمرت تماما الآن.
في منطقة أخرى، ظهر طفل في مقطع فيديو هو يبكي فوق جثة أخيه القتيل وهو يصرخ ويقول له “يا حبيب البابا”.
وقال وهو يمسح جسده:” يا ريتني كنت أنا مو انت”.
مركز الشرق العربي