بدأت تظهر بوادر للتحالف بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي في مواجهة تراخي الولايات المتحدة وابتعادها عن ممارسة دورها المطلوب في المنطقة، وكمحاولة لكسر الاستفراد الروسي الأميركي بالملف السوري بعد أن أبعدت واشنطن حلفاءها عن هذا الملف وانفردت مع موسكو بإيجاد خارطة للحل بعيدا عن مصالح المنطقة ودون الاكتراث بالمخاطر المترتبة على الدول العربية والأوروبية.
وأعلن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لوفول أن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت دعا نظراءه السعودي والقطري والإماراتي والتركي إلى عقد اجتماع في باريس الاثنين لبحث الوضع في سوريا.
وقال مصدر أوروبي مطلع إنه يمكن أن تنضم دول أخرى إلى هذا اللقاء منها بريطانيا وألمانيا.
وترك المتحدث الفرنسي الباب مفتوحا أمام دول أخرى لتنضم إلى هذا الاجتماع بقوله هي “كل الدول التي تعتبر أنه يجب أن تستأنف بأي ثمن المفاوضات التي توقفت مع هجوم النظام السوري على حلب”.
ومن الواضح أن بوادر تشكيل تحالف خليجي أوروبي هو امتداد لمساع سعودية على أكثر من واجهة لبناء تحالفات هادفة إلى وقف التدخلات الخارجية في ملفات المنطقة، وخاصة السعي إلى فرض حلول على مقاس روسي أميركي إيراني ودون مراعاة مصالح السوريين ومطالبهم في الانتقال السياسي.
وأشار مراقبون إلى أن الرياض تسعى إلى الاستعانة بدول مؤثرة في مجلس الأمن مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا لإحداث توازن في التعاطي الدولي مع الملف السوري، وخاصة الاستفادة من دور مجلس الأمن في منع وقوع مجازر ضد المدنيين مثلما جرى في مدينة حلب السورية، وهي مجازر كان من المفروض أن تقابل برفض دولي واسع ولا بسكوت تام مستمد من التراخي الأميركي.
ويجد المسعى الخليجي للاستفادة من دور الدبلوماسية الأوروبية ما يدعمه في أوروبا ذاتها التي من مصلحتها أن ينتهي النزاع السوري إلى حل سياسي متوازن يوقف موجة الهجرة إليها، فضلا عن أن هذا الحل سيقود إلى محاصرة المجموعات المتشددة مثل داعش والقاعدة لتتقلص دائرة استقطابها للشباب الأوروبي وتنتهي حالة الاستنفار المفروضة على أغلب العواصم الأوروبية.
وليس مستبعدا أن يفضي تبادل المصالح بين الدول الخليجية ودول عربية مركزية مع أوروبا إلى ظهور قوة تعديل في السياسة الدولية تحول دون انفراد واشنطن وموسكو بقضايا الشرق الأوسط، ويقطع الطريق أمام الدور التخريبي لإيران في الملف السوري. وربما تساعد هذه القوة التعديلية مستقبلا على حل بقية قضايا المنطقة.
ويأتي اجتماع باريس المقرر الاثنين بعد لقاء تم في برلين الأربعاء جمع وزراء خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير وفرنسا جان مارك أيرولت، ورياض حجاب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل أغلب أطياف المعارضة السورية، في وقت عقد مجلس الأمن اجتماعا في نيويورك بطلب من باريس ولندن في محاولة لإعادة فرض الهدنة في حلب.
وقال المصدر الأوروبي إن التنسيق الخليجي الأوروبي بدأ فعليا في شهر أكتوبر من العام الماضي، إلا أن استمرار الاستفراد الأميركي الروسي بالملف السوري دفع دول الخليج وتركيا بالتعاون مع الدول الأوروبية الكبرى إلى التحرك من جديد.
وأضاف المصدر في تصريح لـ”العرب” أن “هذا التحالف يأتي بحكم المصالح الخليجية الأوروبية المشتركة في المنطقة، وفي نفس الوقت بحكم الأعباء المشتركة، حيث تعاني أوروبا من موجة اللاجئين وإمكانية اختراق بلدانها من قبل الإرهاب، وبالنسبة إلى الدول الخليجية هناك تخوف من أن تعيد إيران سيطرتها على سوريا بالتنسيق مع الجانب الأميركي تماما مثلما حصل في العراق”.
وأكد محمد صبرا رئيس حزب الجمهورية المعارض أن هذا التعاون نشأ قبل مؤتمر فيينا بهدف تنسيق مواقف تلك الدول من أجل الحل في سوريا.
وتحدث صبرا لـ”العرب” عن وجود “عدم ارتياح لدى كل الدول المهتمة بالشأن السوري من استفراد الأميركيين والروس بتفاصيل الملف في سوريا”.
ويرى صبرا أن المعارضة مرتاحة لهذا التحالف، وهي تتمنى أن يصل إلى مستوى التفاهم الاستراتيجي العميق، لأن تفاهم هذه الدول يعني تشكيل قوة ضغط مهمة يمكن أن توازن السياسة الأميركية في سوريا والمنطقة بشكل عام.
العربية