للصدقة مكانة عظيمة في الإسلام فهي أصدق العلامات على صدق المتصدق وهي برهان على صحة إيمان العبد، فالصدقة تطفأ غضب الله سبحانه تعالى وتمحو الخطيئة وتذهب نار جهنم، وهي وقاية من النار وهي دواء للأمراض البدنية والقلبية وبسببها يدفع البلاء وفيها يصل العبد إلى البر.
والصدقة تكون على الأولاد وعلى القريب والصاحب والصديق والجار وأيضاً في سبيل الله، والصدقات إما أن تكون خفية عن أعين الناس أو تكون علنية، وأفضل الصدقات التي تكون خفية عن أعين الناس لأنها أقرب إلى الإخلاص من المعلنة ففي إخفائها بعد عن إحراج الفقير بين الناس وإقامته مقام الفضيحة, فيجب أن تتضمن الإخلاص والبعد عن المراءاة.
لكن في وقتنا هذا انتشرت المراءاة بشكل كبير في إظهار الصدقات ليس بين المعارف فحسب بل إظهارها للناس عامة من خلال توثيق عملية التصدّق عند إعطاء المال للفقير بالصور ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي, حيث يقوم المعطي بأخذ صورة له مع الفقير عند إعطائه المال ويقوم بعدها بنشرها على صفحات التواصل ويكتب عليها موعظة للناس عن ضرورة الصدقة.
وفي كثير من الأحيان تكون عملية التصوير ابتزازية أي يكون المحتاج غير راضٍ عنها ولكن لحاجته إلى المال أو الأشياء التي تعطى من ملابس مثلاً أو أطعمة في بعض الأحيان وأحياناً يقتصر المعطى على علبة من التمر.
“محمد” ابن العاشرة استشهد والده بإحدى الغارات على مدينة إدلب يقول “اليوم أجا لعنا رجال وعطانا مصاري المبلغ كان كبير وطلب مني اتصور معه أنا واخي وهو عم يعطينا المصاري أنا بالبداية رفضت وهو أصر أنه مارح يعطينا المصاري لحتا نتصور معه، أنا قبلت لأنه المصاري محرزين ونحنا كتير بحاجة للمصاري وخصوصاً بعد ما توفى بابا ما بقيلنا حدا إلا الله”.
يتأثر العم”علي” عندما شاهد صورة أولاد أخيه “محمد وخالد” على إحدى صفحات التواصل مع رجل غريب يتفاخر بتصدقه عليهم وقد رد قائلاً “بكفي عيب عليكن شوهتو صورة أخي الشهيد وصورة عيلته”, فيما تعاطف كثيرون مع العم وطلبوا إلغاء تلك المهزلة.
لم يقتصر الرياء بالصدقة على الأفراد بل تعداه ليشمل جمعيات ومنظمات ولجان مختلفة, وذلك من خلال عمل موائد لإطعام الفقراء وتصوير الموائد وتصوير المحتاجين المتواجدين أيضاً.
“رحت أنا وولادي على وحدة من موائد الافطار واجو ناس وصورونا لو كنت بعرف أنو الشغلة فيها تصوير ماكنت رحت كنت أكلت ببيتي خبزة وزيت أحسن” ما قاله أبا سامر عندما رأى صورته معروضة إحدى الصفحات الذي أثار غضبه وحزنه في وقت واحد.
تلك التصرفات التي تكررت في مواقف كثيرة أثارت حفيظة الناس حيث أدانوا تلك التصرفات التي لا تنم عن أخلاق حسنة, “أبو محمد” كتب على صفحته على الفيس “إذا أردت أن تتبرع.. وتتصور مع حفنة برغل.. ردها على جوعتك”.
و”عبير” نشرت على صفحتها صورة لرجل وحوله أطفال صغار وبيده علب من التمر وعلقت عبير على الصورة “كل هل القد بتستاهل علبة التمر حتى عم تتصور جنبها مو حرام هل الولاد شو ذنبهم ليوقفو بهد الذل كلّه”.
وإحدى الصفحات على مواقع التواصل كتبت “لو علم الشهيد كيف سيذلون أولاده من بعده بالتصوير والعروض التجارية لما أقدم على الشهادة”, فيما أتت إحدى التعليقات على الموضوع “يلي استحوا ماتوا”.
إن المن والأذى يفسد الصدقات فكيف إن وصل الأمر إلى حد التصوير ويراها بذلك الناس جميعاً ذلك سيؤذي الفقير فلولا حاجته وبؤس عيشه لما سأل الناس ولما قبل الصدقة من أحد ولما استغل أيضاً من قبل ضعاف النفوس الذين لا يبتغون من هذا العطاء إلا مجداً وسمعة في الدنيا وتخلوا عن ثواب الآخرة.
المركز الصحفي السوري- أسماء العبد