بصرخة فجائية يبدأ عازف البيانو عرضه الموسيقي. ربما تكون كلمات الأغنية عربية ولا يفهمها الجمهور الذي يحضر الحفل في ألمانيا، لكن الأذن يمكنها استيضاح الألم إن قيل بأي لسان.
تحمل أغنياته تساؤلاً يرسله إلى السماء، إذ يسأل كيف للسماء أن ترسل إلينا كل ذلك البلاء؟
يعزف الشاب ويغني أمام جمهور ألماني في مدينة هادئة معروفة بالحكايات الخيالية. لكنه لا يشغل خلده سوى بالمنطقة المنكوبة والفقيرة التي عاش بها في سوريا، حيث بدأ بها قبل أعوام قليلة من مجيئه لاجئاً إلى ألمانيا، مشواراً مهنياً يبدو غريباً، وذلك من خلال العزف فوق الأنقاض، وفقاً لما نشرته صحيفة The New York Times الأميركية.
يتقافز العازف ويتمايل برأسه مع انحناءة طفولية بسيطة، ثم يقول أثناء تقديم نفسه: “أنا آسف، فلست عازف بيانو جيداً. تعلمت العزف في سوريا. وليس العزف هناك مثلما يعزف موتسارت أو باخ، لكنها الطريقة التي نعزف بها”.
في ألمانيا التي صارت منقسمة مؤخراً حول استقبال ملايين اللاجئين خلال العام الماضي أو الخوف من ذلك الأمر، يتولى أيهم أحمد بنفسه مسؤولية إضفاء وجه إنساني حقيقي على قضية اللاجئين أمثاله. ويكمن مبتغاه في تسهيل عميلة اندماج اللاجئين بل ومساعدة ملايين آخرين، بمن في ذلك زوجته وأطفاله الذين تركهم خلفه في مخيم اليرموك.
وقد صارت تلك المهمة ضرورية خلال الآونة الأخيرة بعد أن عانت ألمانيا من صدمة جراء هجومين منفصلين ارتكبهما لاجئان مرتبطان بتنظيم الدولة الإسلامية، حاولا قتل مدنيين. وقضى المهاجمان وحدهما في الهجومين، إلا أن تلك الهجمات خلّفت وراءها كثيراً من الألمان في حالة غضب وقلق، بل وعلى استعداد لإغلاق أبواب ألمانيا أمام اللاجئين الجدد. كما تنتشر أحاديث فعلية حول تسريع وتيرة ترحيلهم من ألمانيا.
يغريهم بالموسيقى
على خشبة المسرح يغري أحمد المستمعين بموسيقاه ويطمئنهم، بل ويأسرهم بها. فهو يحكي عن رحلته من القصف والجوع والاضطهاد، ويغني عن المآذن وأجراس الكنائس من خلال “الدعوة للسلام”، ويعلنها صراحة “الإرهاب لا دين له”، واللاجئون جاءوا من أجل “بناء ألمانيا وليس إيذائها”.
ويحمل بكلماته رسالة يقول فيها: “سيذكر التاريخ أن ألمانيا احتوت المسلمين”، ثم يواصل ترديد أغنية طفولية ألمانية شهيرة ليرددها الجمهور خلفه.
وفي نهاية اليوم يغادر أحمد القاعة كالمعتاد بعد أن يمطره وابل من الأحضان وصور السيلفي.
بيد أنه عندما يعود إلى غرفته الصغيرة في مدينة فيسبادن، فإنه يمزق روحه من الداخل على الدور الذي أداه بنجاعة: “اللاجئ الطيب”، الذي يجعل “الألمان الطيبين” يشعرون بشيء جيد حول أنفسهم. ولا يمكنه المساعدة لرؤية لمسة فنية خلال الحفل الغنائي من تصرفه، فيتخيل كيف قد يبدو في أعين الألمان: مجرد عمل خيري، أو حيوان مُدرب يرقص من أجل الحصول على هدية صغيرة.
ويقول أحمد في إحدى الأغاني إنه لاجئ كالجرو، إنهم يلعبون معه وهو يلعب ويشعر بالسعادة.
هافنغتون بوست